الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

الكبت و الإبداع


الكــــبــــت و الإبـــــداع
محمود رفعت


بعد ساعات طويلة من الحوار , إكتشفت أن كلانا يعني نفس الشئ , و يملك ذات الدوافع , حاولت أن أوضح ملاحظتي له , و لكنه كان يصر على موقفه , و فعلا طريقة العرض أدت لموقفين مختلفين , و ذلك نظرا لإختلاف المعاني و المفاهيم التي أدركنا بها الأشياء , أضف إلى ذلك مجموعة الأساطير الفكرية التي تسيطر على مجتمعنا , و تلك الأساطير متعددة الفوائد , فهي تساعدنا على التكيف مع أوضاعنا المؤسفة , و تريحنا من التأمل و التفكير , و ما يترتب عليه من مراجعة النفس و تخطيئها , و تحقق بصورة ما وحدة فكريه بين عامة الناس , و تساعد النخبة في تمرير أفكارهم من خلالها , و لكنها لا تفيد الحقيقة كثيرا , و مما يزيد الأمر سوءا , أننا لم نطور أساطيرنا بأنفسنا , و لا إخترنا الأساطير التي تخدم أغراضنا , و إنما إتخذنا أساطيرا قد دفعتنا إليها الظروف أو أملاها علينا الأخرون , و من هنا تكون عندي هاجس تفكيك تلك الأساطير.



و في هذة المقالة نناقش العلاقة بين العنف و الكبت و السلطة و علاقة كل هذا بالإبداع .

الكبت هو " عملية نفسية لاشعورية تحول دون خروج الأفكار و الرغبات المؤلمة أو المحرمة إلى نطاق الشعور رغم بقائها حية فعالة في اللاشعور " (المعجم الفلسفي : مراد وهبه).

إذا سلمنا بهذا التعريف للكبت نخرج بالآتي :

1. يسببه وجود رغبة ملحة دون أن يستطيع المرء مواجهه نفسه و مجتمعه بها و ذلك نتيجة سلطة فوقية ما (المؤسسة السياسية القمعية – المجتمع – الدين أو المؤسسات الدينية).

2. أن تلك الرغبة تظل حية في اللاشعور مما يؤدي حتما لأن تبحث عن صورة أخرى للتبعبير عن نفسها .


تقول الأسطورة أن السلطة القمعية تؤدي إلى الكبت , و الكبت يؤدي إلى السلوك العنيف ,و من المعلوم بالضرورة أن الكبت شعور مقيت , و أن العنف سلوك غير سوي , و المجرم الحقيقي هنا هو القمع الذي سبب الكبت , و العنف رد فعل نفسي.

بهذه البساطة نحسم كثير من القضيا الشائكة و المتداخلة , و ننام قريري العين , فالمشكلة في السلطة , و التغيير طريقنا إلى المستقبل ....





نتساءل أولا : هل العنف شرا محضا ؟


إذا ما حاولنا تجاوز الإيحاء النفسي لكلمة "العنف" , الذي سببته السياقات التي استخدم فيها , نجد أن العنف قد يكون خيرا , و قد يكون شرا , فالجهاد في سبيل الله – و إن تحققت الشروط و صدقت النوايا – عنفا , بما في ذلك جهاد رسول الله صلى الله عليه و سلم , و الدفاع عن الوطن عنف , و إسترداد الحق المسروق من اللصوص عنف , و هكذا .. و لكن العنف هنا ليس كعنف اللص نفسه حين يسرق و لا كمن يدعي الجهاد و له من وراء ذلك مآرب أخرى .. فالـ "عنف" إذن كلمة محايدة يحدد قيمتها الأخلاقية إرتباطها بالعدل أو الظلم .

نتساءل ثانيا : هل العنف نتيجة حتمية للكبت ؟


و ذلك أنه بجانب السلوك العنيف هناك صورا أخرى للتعبيرعن الرغبات حبيسة اللاشعور , مثل الإبداع الأدبي و الفني بإعتبارهما من المظاهر الراقية للتعبير عن خفايا النفس , و هناك الإبداع الأدبي و الفني المنحط أخلاقيا أو دينيا بإعتبارهما من المظاهر المنحطة للتعبير عن خفايا النفس , و هناك الهوس الجنسي بدءا من الإستعمال المهووس للألفاظ الجنسية في الحياة اليومية و النكات الإباحية إنتهاءا بما يسعفك به الخيال.. هناك صورا لانهائية يعبر بها الإنسان عن رغباته حبيسة اللاشعور نجمعها جميعا في لفظ الـ "إبداع" و التي تضم جميع الصور السابقة بما فيهم العنف نفسه – بإعتباره صورة من صور الإبداع , نصل في النهاية إلى أن الكبت يولد إبداعا و الإبداع قد يكون عنفا أو لا يكون و كما أن العنف قد يكون خيرا أو شرا فالإبداع قد يكون راقيا أو منحطا , و الإبداع قد يكون في صورة راقية و لكنه يدعوا لقضية ظالمة.. أي أنه يمكننا في النهاية القول بأن الـ "إبداع" كلمة محايدة يحدد قيمتها إرتباطها بالعدل و الرقي الأخلاقي و الجمالي أو بالظلم و الإنحطاط.

نتساءل ثالثا : هل الكبت هو السبب الوحيد للعنف ؟


الإجابة البيديهية أن لا , و لكني أضيف أنه على العكس تماما , إن الحرية الزائدة من أهم أسباب العنف , ليس فقط لأنه في حالة غياب السلطة الأمنية تزداد الجرائم , و لكن لأن الحرية الزائدة تولد الشعور بالملل نتيجة لإشباع الرغبات , مما يدفع إلى البحث عن سبل أخرى لإشباع الرغبة و كسر الملل , (الشذوذ الجنسي و السادية المرتبطة بالجنس مثلا).

نتساءل أخيرا : هل السلطة و ما ينتج عنها من قيود شرا محضا ؟



تشير السلطة إلى مفهومين , سلطة دينية و سلطة دنيوية , فالسلطة الدينية هي الوحي و هي خير محض , أما السلطة الدنيوية فهي كل ما يصدر أمرا ملزما بدءا من الأب و الزوج وصولا إلى ما شاء الله , و هي قد تكون عادلة أو ظالمة , و قد تدعوا للعدل و تطبقه بإسلوب ظالم , وهناك أكثر من نوع للسلطة , منها السلطة التقليدية ( الممنوحة بسبب الدين أو العرف ) , ومنها السلطة التحررية–اللبرالية (التي تعتمد على الكاريزما و قوة الشخصية أو على المال و القوة), و الإختلاف بينهما في إسلوب تولي السلطة فقط , و لكن كلا النموذجين قد يكون عادلا أو ظالما , بل ربما تكون الصورة اللبرالية أبعد عن الإنسانية , و ذلك لأن المادة هي التي تحسم الصراع في نهاية الأمر, و السلطة عموما سواء دينية أو مدنية , عادلة أو ظالمة تمثل قيدا , يمنع الإنسان عن بعض رغباته , و الرغبة قد تكون مشروعة و قد لا تكون , و قد يكون فيها تعد علي حقوق الناس, و هذا القيد يمثل تحديا في نفس الانسان (التحدي لا يعني بالضرورة رفض القيد و لكن ربما يؤدي لإبتكار و سيلة ناجحة أو فاشلة للتعامل أو التكيف معه) و التحدي يكون على درجتين فهو إما تحدي معجز أو غير معجز أي أنه قد يؤدي لإستجابة إيجابية أو إلى هزيمة نفسية .... في النهاية نجد أن الـ "سلطة" كلمة محايدة تحدد قيمتها مدى إرتباطها بالعدل أو الظلم ..
إضغط على الصورة لكبيرها


ربما و أنا أحاول الإبتعاد عن الرؤية السطحية لم أنجح تماما في رسم صورة متكاملة بديلة , و لكنها في تصوري أكثر تفسيريه و تصلح كمنطلق للبحث , إن القضية برمتها لا تدور حول الحرية و القيد بل حول العدل و الظلم , بقي أن أقول أن كلمات مثل العدل و الظلم كلمات محايدة بدورها تتحدد قيمتها عن طريق الإرتكاز حول قيمه مطلقة تتجاوز المصالح و الرغبات , حول الغاية النهائية للإنسان من حياته .. أي أن القضية برمتها تشير في نهاية المطاف لحكم الله , إننا نرى أن قضية الحرية التي قامت من أجلها ثورات و ثورات , كل ثورة تتبني جانبا من جوانب الإنسان تدعوا لتحريره على حساب باقي الجوانب , أما آن لنا أن نتحرر كما إرتضى الله لنا و أن نتجرد من كل عبودية سوى عبوديته .