الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

فليسقط الإنسان - نثيرة شاعرية


فلـيـسـقـط الإنـسـان


سأرسم حدودا لخطوتي

و أشتهي مالا أشتهيه

لتنتظم دقات قلبي

و أعيد توازني

......

عذرا يا حبيبتي

لن أقبلك هذا الصباح
 
 
محمود رفعت
21-9-2010

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

الكبت و الإبداع


الكــــبــــت و الإبـــــداع
محمود رفعت


بعد ساعات طويلة من الحوار , إكتشفت أن كلانا يعني نفس الشئ , و يملك ذات الدوافع , حاولت أن أوضح ملاحظتي له , و لكنه كان يصر على موقفه , و فعلا طريقة العرض أدت لموقفين مختلفين , و ذلك نظرا لإختلاف المعاني و المفاهيم التي أدركنا بها الأشياء , أضف إلى ذلك مجموعة الأساطير الفكرية التي تسيطر على مجتمعنا , و تلك الأساطير متعددة الفوائد , فهي تساعدنا على التكيف مع أوضاعنا المؤسفة , و تريحنا من التأمل و التفكير , و ما يترتب عليه من مراجعة النفس و تخطيئها , و تحقق بصورة ما وحدة فكريه بين عامة الناس , و تساعد النخبة في تمرير أفكارهم من خلالها , و لكنها لا تفيد الحقيقة كثيرا , و مما يزيد الأمر سوءا , أننا لم نطور أساطيرنا بأنفسنا , و لا إخترنا الأساطير التي تخدم أغراضنا , و إنما إتخذنا أساطيرا قد دفعتنا إليها الظروف أو أملاها علينا الأخرون , و من هنا تكون عندي هاجس تفكيك تلك الأساطير.



و في هذة المقالة نناقش العلاقة بين العنف و الكبت و السلطة و علاقة كل هذا بالإبداع .

الكبت هو " عملية نفسية لاشعورية تحول دون خروج الأفكار و الرغبات المؤلمة أو المحرمة إلى نطاق الشعور رغم بقائها حية فعالة في اللاشعور " (المعجم الفلسفي : مراد وهبه).

إذا سلمنا بهذا التعريف للكبت نخرج بالآتي :

1. يسببه وجود رغبة ملحة دون أن يستطيع المرء مواجهه نفسه و مجتمعه بها و ذلك نتيجة سلطة فوقية ما (المؤسسة السياسية القمعية – المجتمع – الدين أو المؤسسات الدينية).

2. أن تلك الرغبة تظل حية في اللاشعور مما يؤدي حتما لأن تبحث عن صورة أخرى للتبعبير عن نفسها .


تقول الأسطورة أن السلطة القمعية تؤدي إلى الكبت , و الكبت يؤدي إلى السلوك العنيف ,و من المعلوم بالضرورة أن الكبت شعور مقيت , و أن العنف سلوك غير سوي , و المجرم الحقيقي هنا هو القمع الذي سبب الكبت , و العنف رد فعل نفسي.

بهذه البساطة نحسم كثير من القضيا الشائكة و المتداخلة , و ننام قريري العين , فالمشكلة في السلطة , و التغيير طريقنا إلى المستقبل ....





نتساءل أولا : هل العنف شرا محضا ؟


إذا ما حاولنا تجاوز الإيحاء النفسي لكلمة "العنف" , الذي سببته السياقات التي استخدم فيها , نجد أن العنف قد يكون خيرا , و قد يكون شرا , فالجهاد في سبيل الله – و إن تحققت الشروط و صدقت النوايا – عنفا , بما في ذلك جهاد رسول الله صلى الله عليه و سلم , و الدفاع عن الوطن عنف , و إسترداد الحق المسروق من اللصوص عنف , و هكذا .. و لكن العنف هنا ليس كعنف اللص نفسه حين يسرق و لا كمن يدعي الجهاد و له من وراء ذلك مآرب أخرى .. فالـ "عنف" إذن كلمة محايدة يحدد قيمتها الأخلاقية إرتباطها بالعدل أو الظلم .

نتساءل ثانيا : هل العنف نتيجة حتمية للكبت ؟


و ذلك أنه بجانب السلوك العنيف هناك صورا أخرى للتعبيرعن الرغبات حبيسة اللاشعور , مثل الإبداع الأدبي و الفني بإعتبارهما من المظاهر الراقية للتعبير عن خفايا النفس , و هناك الإبداع الأدبي و الفني المنحط أخلاقيا أو دينيا بإعتبارهما من المظاهر المنحطة للتعبير عن خفايا النفس , و هناك الهوس الجنسي بدءا من الإستعمال المهووس للألفاظ الجنسية في الحياة اليومية و النكات الإباحية إنتهاءا بما يسعفك به الخيال.. هناك صورا لانهائية يعبر بها الإنسان عن رغباته حبيسة اللاشعور نجمعها جميعا في لفظ الـ "إبداع" و التي تضم جميع الصور السابقة بما فيهم العنف نفسه – بإعتباره صورة من صور الإبداع , نصل في النهاية إلى أن الكبت يولد إبداعا و الإبداع قد يكون عنفا أو لا يكون و كما أن العنف قد يكون خيرا أو شرا فالإبداع قد يكون راقيا أو منحطا , و الإبداع قد يكون في صورة راقية و لكنه يدعوا لقضية ظالمة.. أي أنه يمكننا في النهاية القول بأن الـ "إبداع" كلمة محايدة يحدد قيمتها إرتباطها بالعدل و الرقي الأخلاقي و الجمالي أو بالظلم و الإنحطاط.

نتساءل ثالثا : هل الكبت هو السبب الوحيد للعنف ؟


الإجابة البيديهية أن لا , و لكني أضيف أنه على العكس تماما , إن الحرية الزائدة من أهم أسباب العنف , ليس فقط لأنه في حالة غياب السلطة الأمنية تزداد الجرائم , و لكن لأن الحرية الزائدة تولد الشعور بالملل نتيجة لإشباع الرغبات , مما يدفع إلى البحث عن سبل أخرى لإشباع الرغبة و كسر الملل , (الشذوذ الجنسي و السادية المرتبطة بالجنس مثلا).

نتساءل أخيرا : هل السلطة و ما ينتج عنها من قيود شرا محضا ؟



تشير السلطة إلى مفهومين , سلطة دينية و سلطة دنيوية , فالسلطة الدينية هي الوحي و هي خير محض , أما السلطة الدنيوية فهي كل ما يصدر أمرا ملزما بدءا من الأب و الزوج وصولا إلى ما شاء الله , و هي قد تكون عادلة أو ظالمة , و قد تدعوا للعدل و تطبقه بإسلوب ظالم , وهناك أكثر من نوع للسلطة , منها السلطة التقليدية ( الممنوحة بسبب الدين أو العرف ) , ومنها السلطة التحررية–اللبرالية (التي تعتمد على الكاريزما و قوة الشخصية أو على المال و القوة), و الإختلاف بينهما في إسلوب تولي السلطة فقط , و لكن كلا النموذجين قد يكون عادلا أو ظالما , بل ربما تكون الصورة اللبرالية أبعد عن الإنسانية , و ذلك لأن المادة هي التي تحسم الصراع في نهاية الأمر, و السلطة عموما سواء دينية أو مدنية , عادلة أو ظالمة تمثل قيدا , يمنع الإنسان عن بعض رغباته , و الرغبة قد تكون مشروعة و قد لا تكون , و قد يكون فيها تعد علي حقوق الناس, و هذا القيد يمثل تحديا في نفس الانسان (التحدي لا يعني بالضرورة رفض القيد و لكن ربما يؤدي لإبتكار و سيلة ناجحة أو فاشلة للتعامل أو التكيف معه) و التحدي يكون على درجتين فهو إما تحدي معجز أو غير معجز أي أنه قد يؤدي لإستجابة إيجابية أو إلى هزيمة نفسية .... في النهاية نجد أن الـ "سلطة" كلمة محايدة تحدد قيمتها مدى إرتباطها بالعدل أو الظلم ..
إضغط على الصورة لكبيرها


ربما و أنا أحاول الإبتعاد عن الرؤية السطحية لم أنجح تماما في رسم صورة متكاملة بديلة , و لكنها في تصوري أكثر تفسيريه و تصلح كمنطلق للبحث , إن القضية برمتها لا تدور حول الحرية و القيد بل حول العدل و الظلم , بقي أن أقول أن كلمات مثل العدل و الظلم كلمات محايدة بدورها تتحدد قيمتها عن طريق الإرتكاز حول قيمه مطلقة تتجاوز المصالح و الرغبات , حول الغاية النهائية للإنسان من حياته .. أي أن القضية برمتها تشير في نهاية المطاف لحكم الله , إننا نرى أن قضية الحرية التي قامت من أجلها ثورات و ثورات , كل ثورة تتبني جانبا من جوانب الإنسان تدعوا لتحريره على حساب باقي الجوانب , أما آن لنا أن نتحرر كما إرتضى الله لنا و أن نتجرد من كل عبودية سوى عبوديته .


الأربعاء، 18 أغسطس 2010

هكذا تكلم عفريتي



هــكــذا تــكــلــم عــفــريــتــي

زعم أنه حين ضل طريق القافلة , وغاب عن ناظرية أية بصيص من أمل , نام يائسا على مدخل كهف مظلم , و قام على صوت خطو غير مبين , حتى أوجس خيفة مشوبة بأمل قلوق , فإذا بشبح قادم من داخل الكهف , و لما تبينه وجده عفريت خائف يهم بالهروب , و حين هم هو الآخر بالهروب , و أدرك كل منهما خوف صاحبه , آنس منه أمنا , فما لبثا إلا و هما صديقين ,  حتى بث كل منهما همه لصاحبة , و واصلا المسير و السمر.........
يقول : و هذا قطف من  كلام رفيقي.....

***

قال لي:
نور الإنسان ينبع من داخله .... قد يحتاج لرفيق أو حبيب يفهمه ,و يؤمن به , و لكنه لن يبصر طريقه إلى حين يلقاه دون نوره الداخلي ...

ثم قال :
شكوانا من ظلمة الطريق ليست أننا لا نجد موضعا لأقدامنا , و  إنما تنفيث عن ما بذلناه حتى نجد موضع لها فيه ...

وقال :
حين تبحث عن شريك لبناء القلعة , لابد أن يكون مؤمنا ببناء القلعة  , و لابد أن تكونا متفقين على التصورات الأساسية لهدف البناء  ,و إسلوبه  , و حتى تستمر على الطريق يجب على كل منكما أن يعرف ما لشريكه  من أهواء و رغبات و ضعف  , تدفعه أحيانا للظلم  و الغضب و البعد عن الطريق , فعليه أن يعذره لكي يتمكن كل واحد من التغلب على الأهواء و الرغبات و الضعف و الظلم  , و يساعد رفيقه على ذلك ,بدافع من حب حقيقي ... و ليس مجرد قبول الخطأ بلا إصلاح ...

و قال :
في الوقت الذي يخطفها فارسها و دون ان تدرك , ستجد في عينيها مالم تره  من قبل... الألوان تغيرت , و المعايير تبدلت ... و ترتيب الأفكار و الأولويات لم يعد كما كان .... لقد إتحدت نقطة الأفق في عينيهما  , و أرخي كل منهما طيفه الحقيقي على صاحبه ... و بنيا عالم خاص بهما , و ودعيا له , و حاربا قوى الشر كي يبدلا العالم الخارجي الملئ بالشرور إلى عالمهما الرائع ....


***

قال لي :
بين أبيض و أسود مساحات شاسعة يقطنها الإنسان .

و قال :
الوضوح في ذاته ممكن في إطار الأفكار الجبرية و نسبي في ما عداها ,و تزداد العتمة كلما إقتربنا من العواطف .
 
وقال:
 أي فلسفة إنسانية لابد أن تستند على الفطره بأحد جوانبها و لكن على حساب باقي جوانب الفطرة ..

***

ثم قال :
لا تخترق المدي فتتناثر بين نفسك و بين المدى و كن كما تحسن ... حتى تنفرج الحجب فتنطلق ..

و قال :
لا تدخر مما بوسك لزمن قد لا تحتاجة فيه و كن مداك ليزداد وسعك كما يحتاجه منك المدى.

***
ثم قال لي:
يكفيك هذا القسط من الملل ...

محمود رفعت


الخميس، 5 أغسطس 2010

كــــــــلـــــمــــــات -2- خواطر و أفكار قيدتها في مواقف متفرقة



كــــــــلـــــمــــــات

-2-

خواطر و أفكار قيدتها في مواقف متفرقة


8- النجاح أو الفشل ليس دليلا على حق و لا باطل و لا يفرقان بين العدو و الصديق.


9- لا ينبغي أن نستسلم للمعايير المادية ............ هذه هي الهزيمة‬ .


10- كان  دفاعه  عن  الجمال  يوفر  له  ما  يشتهي  من  الحركة  و  الإهتمام  و  جذب الإنتباه و الشعوربالإنتماء  .......  لكنه لم يكن يبالي بالجمال نفسه‬ .


11- الجمال الحقيقي ليس حكرا على الأغنياء ... لا نجده في المجمعات الإستهلاكية و لا في القرى السياحية ..... الجمال الحقيقي في الطبيعة المشاعة و في العاطفة الإنسانية و في الأخوة الإيمانية ...  في عالم تافه كالذي بنيناه ... لابد أن نتنازل عن الرقي - بالمنظور المادي - في النمط الإستهلاكي و مكان السكن و ما شابه ... لكي نشتري الإنسان‬ .


12- أقسى من عذاباتك ..... أن تكون سببا في عذاات الآخرين‬ .


13- غاية النظر في التصور الإسلامي هي إدراك مراد الله.


14- غاية الحركة و التربية في التصور الإسلامي هي القيام بمراد الله , و ذلك بإعتبارين , الأول كون الفعل الحركي و التربيوي في ذاته وفق مراد الله , و الثاني كونهما يهدفان له ... و الله أعلم .


محمود رفعت


الجمعة، 16 يوليو 2010

الــــمـــجــــد للـــقـــناديـــل ....نثيرة شاعرية


الــــمـــجــــد للـــقـــناديـــل
نثيرة شاعرية

المجد لآحاد الحيارى

حين يغازلون القمر

و حين يفترشون الأماني

بليل طويل , ما له سحر

المجد للقناديل الهزيلة

حين تضئ لوليفها .. خطوة في الطريق

المجد للإنسان حين يموت منهزما

و حين ينتصر

محمود رفعت

16-7-2010


الجمعة، 28 مايو 2010

أغصان الغابة : نثيرة شاعرية : محمود رفعت



أغـــصـــان الـــغـــابــة

( نثيرة شاعرية )

محمود رفعت


لم يبق في الغابة إلا الجذور

و شجيرة في المدى

لم يدركها العدم

فكيف أحصي رحيق الزهور

و نبض القلوب

و أنات الألم

ها الألى

عيونهم شاخصة للنجاح

و الكفاءة

و الضجيج و السأم

و الوقت - ما أقساه -

لا يدرك سر اللون

أو همس الروح

أوغصن شجيرة بين القمم


27-5-2010


الثلاثاء، 27 أبريل 2010

كــــــــلـــــمــــــات : خواطر و أفكار قيدتها في مواقف متفرقة


كــــــــلـــــمــــــات
خواطر و أفكار قيدتها في مواقف متفرقة



1- الإيمان ليس مجرد دافع للحضارة ... بل هو عين رسالتنا الحضارية .


2- ليس كل من يحارب الظلم يدعو إلى العدل .


3- لا يلزم الحق أن يناسب العصر ... بل علينا تغيير العصر ليناسب الحق .


4- التغيير كلمة موضوعية محايدة لا مفهوم لها........... التغيير هو ما يؤدي إلى الإنتقال من حال لغيره بغض النظر عن أفضلية أحد الحالين على الآخر .


5- الثورة البيضاء ليست هي الثورة التي تنجح دون إسالة الدماء فقط , بل الثورة التي لا تنبني على خداع الجماهير .


6- إخلاص النية و إتباع الله و رسوله هما جناحي الوصـول ... فالإخلاص هو زاد الرحلة و الإتباع هو خارطتها ...فلا حراك بلا إخلاص و لا وصول بلا إتباع .


7- قد يتخذ الهوى بعض المظاهر المختلفة مثل المصلحة - صورتنا أمام الأخر - إسلوب نتصور أنه ناجح للوصول لأهداف الأمة العليا .



    الاثنين، 26 أبريل 2010

    إنسان

    إنــســان

    أبعـدت عـيني عن أشعـة الشـمـس المباشـرة , مما ألهـاني عن الألـم الهائـل في جسـدي - لم يكن ألما حقيقيا , ربما كان شعورا بأنه ينبغي أن أكون متألما - و تسائلت : أليس على الماكينة أن تتنازل عن موضوعيتها , و تنحاز للإنسانية قليلا  ؟ , و بدا لي أنه من البديهي أن تتوقف الآلة حينما يتعثر إنسان و يسقط فيها......





    السبت، 24 أبريل 2010

    أحزان المحبين و أفراح الفلاسفة

    قصيدة :  عبد الوهاب المسيري

    قراءة : محمود رفعت


    الجمعة، 9 أبريل 2010

    حــشــيــش!!


    حــشــيــش!!

    محمود رفعت


    بينما أحتسي فنجال الإسبرسو و أعبر عن إستيائي الشديد من الأوضاع الإجتماعية التي وصل إليها مجتمعنا ... يقول رفيقي محتدا أني لا أشارك في المظاهرات ثم يرتشف من فنجال الكابيتشينو الضخم ويضيف في عصبية أن أمثالى من السلبيين هم من يوقفون المكاسب السياسية للشعب المطحون .. فيبدوا على عدم الإقتناع ثم أتنهد تمهيدا لشرح وجهه نظري............. بينما نحن كذلك كان والد هيثم يموت لأنه لا يملك ثمن الدواء.

    السبت، 20 فبراير 2010

    عالم جدير بالحياة


    عالم جدير بالحياة
    محمود رفعت




    كثيرا ما نفتقد أشياءا و هي بين أيدينا.. و نحيد عن الطريق لأن أفكارا بديهيه لم نعرها ما تستحق من الإهتمام..ربما لو ذكرنا بها لسخرنا ممن ينبهنا إلى ما لا نجهله .. لكننا حين نسمح لعقولنا و قلوبنا أن تتأمل و أن تفقه تلك البديهيات .. فإننا نسمح لأنفسنا بالوصول.....


    ففي غمرة سعينا الحميم لإصلاح واقعنا الأليم ننسى كثيرا من النقاط الأساسية , فنغرق أنفسنا في الوسائل و الإجراءات التي نتصور أنها الطريق إلى التقدم و الإصلاح , و لا نتوقف في التفكير في مفهوم التقدم الذي ننشده !! , و إلى أي إتجاه نتقدم ؟ , و لماذا نتقدم أصلا ؟؟ , و ما هي السلبيات التي نريد إصلاحها تحديدا ؟؟ فنتحرك بصوره هوجاء , و نضحي أحيانا بأهداف عظمى من أجل وسائل قد نصل بها أو لا نصل , و تضيع الحقائق وسط كثير من التفاصيل الإجرائية.


    السؤال الأول المحوري و الذي تتفرع من إجابته تصورنا للحياه إجمالا و تفصيلا : ما هو الهدف الذي نسى إليه على المستويين الفردي و الجمعي و الذي أعتبر ما عاداه وسيلة للوصول إليه ؟

    تختلف الإجابات على هذا السؤال على حسب هويه المجيب , لكنها إجابة واحدة يجمع على مضمونها أي مسلم حقيقي : رضا الله و الفوز بالجنة .


    و من هنا تنشأ فكرة الهدف المخدوم و الهدف الخادم ، فأهداف مثل النجاح في الحياه أو بناء أسرة مسلمة أو الفوز بوظيفة محترمة هي أهداف خادمه للهدف المخدوم و هو الفوز برضا الله , هذا على المستوى الفردي , أما على المستوى الجمعي فإن أهدافا مثل التقدم الإقتصادي أو العسكري و مثل توفير ظروف إجتماعية أفضل أو تطوير أنظمة التعليم فهي أيضا أهداف خادمه لهذا الهدف المخدوم.

    فالهدف الخادم هو وسيلة أو إجراء للهدف النهائي و لكنه في ذاته هدفا أيضا , و لكي ننجزه لابد من تقسيمه إلى مجموعه من الإجراءات العمليه مما يجعله هدفا مخدوما و له أهدافا خادمه و و هكذا دواليك في تسلسل هرمي يحتوي الحياة بأسرها , يقول تعالى " قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين" سوره الأنعام 162

    بوضوح هذا المفهوم نشعر بمعية الله في كل حركه و إجراء نتخذه في حياتنا , إذ كل حركه مرتبطه بهدف أكبر منها و صولا إلى توحيد الله , فتكتسب كل حركه قيمه و معنى من إرتباطها بغايتها .

    على الرغم من بداهة هذا المفهوم إلا أنه غالبا ما يغيب عن تفاصيل حياتنا . و بغيابه تفقد الحياة معناها و نصاب بالملل و الإحباط و الإكتئاب , قد نتفق جميعا على أن هدفنا النهائي هو رضا الله , و لكن هل نستحضر هذه النية حقا في كل تصرفاتنا , فتؤثر على مواقفنا و ترتيب أولوياتنا و طريقه قبولنا للنجاح و الإخفاق ...

    يغيب هذا المفهوم بصورتين :


    الأولي : عدم وجود هدف نهائي أصلا .... أو وجود أهدافا نهائية غير ربانية .
    الثانية : وجود الهدف النهائي الرباني ... ولكن العلاقة بين الهدف الخادم و الهدف المخدوم غير واضحة .


    نناقش هنا خطورة الصورة الثانية عن طريق طرح بعض الأمثله و مناقشتها ....



    المثال الأول :

    لأنه يحب أسرته و يتمناها أسرة سعيدة ناجحة ( هدف مخدوم ) فإنه يحاول توفير حياة كريمة لها ( هدف خادم ) لـذا فإنه يغرق نفسه في العمل .. ففي صباح كل يوم يلقي على أولاده نظره حانيه و هم نائمين على أسرتهم و يرجع إلي البيت بعد رجوعهم للأسرة أو قبل ذلك بقليل فلا يرونه إلا نادرا و لكنه في المقابل يوفر لهم حياه كريمه و عيش رغد – كما كانت تحلم زوجته – فلا ينقصهم شيئا ( فلنفترض أنهم قد يشعرون بذلك)......

    *****

    المثال الثاني :


    كان حب الإسلام يملأ نفسه و أدرك ضرورة نصرة الإسلام بكل السبل المتاحة ( هدف مخدوم ) فدخل عالم السياسه ليخدم الإسلام و المسلمين و ليخدم الإسلام و يكون مثالا للسياسي المسلم الناجح ( هدف خادم ) و لأن الجمهور هو الحكم النهائي وهو الذي يحدد من الذي يقبله و من الذي لا يقبله ( بصورة ما هو الذي يحدد الحق من الباطل ) فإننا لكي نستطيع خدمه إسلامنا – سياسيا – لابد من البحث عن الإجراءات التي تجذب الجماهير .

    دغدغه عواطف الجمهور و عدم الإقتراب من القضايا التي تسبب حساسيه عند قطاع – مؤثر – منهم , و لأن الجمهور لا يحب من يحرم عليه كل شئ فلا بأس من البحث عن أى رأي فقهي – مهما كان شاذا – يبيح ما يحب الناس إباحته ( و أحيانا يصل الأمر لتفصيل قواعد فقهيه على مقاس الجماهير ) فالإسلام دين يسر لا يحرم عليك حياتك .

    و العلاقة مع باقي القوى السياسيه – اللادينيه – و منظمات المجتمع المدني التي تجمعنا بها بعض المصالح المشتركه أحيانا , تحتم علينا بعض التنازلات ( !!! ).


    و للحفاظ على المظهر الإسلامي فإنه يظل طوال الوقت يبرر أحكام الإسلام ( التي وضعها في قفص الإتهام و نصب نفسه محاميا عنها ) فلكل حكم إسلامي – غير مقبول بمعايير السوق – مبرر كانت تحتمه الظروف الثقافية و الإجتماعية على عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و لم يعد له ما يبرره .



    إنه الواقع .... و أمامنا أهداف عليا أكبر من تلك الأمور( !!!!!!!!!! ) و لا حول و لا قوه إلا بالله.


    *****

    المثال الثالث :


    طلب العلم و حفظ القرآن ( الهدف الخادم ) هما السبيل الأوحد لمعرفه الحق و عدم ضياع الطريق و الشروع في تأسيس الحياه الإسلاميه ( الهدف المخدوم) .. لابد أن نوليه إهتماما شديدا .... و لكنه في رحلته لطلب العلم و حفظ القرآن – ربما لشدة همته و سعيه الحميم لإنجاز أكبر قدر ممكن – لم يتوقف إلا نادرا للتفكر في آيه من آيات الله و لم يرق قلبه إلا قليلا خشوعا لله.. و الأدهى من ذلك تكبره على خلق الله – ممن هم أدنى منه في العلم أو في الحفظ – و سوء خلقه معهم....

    *****

    على الرغم من وضوح النيه الحسنه الصادقه المتوفره في الأمثله الثلاثه إلا أننا نلاحظ أن الإجراءات قد إحتلت مركز التفكير و تم تهميش الغايات مما يؤدي إلى إتخاذ إجراءات تضر بالغايات بل وأحيانا إلى التضحيه بها في نهايه الأمر ...


    ففي المثال الأول :


    إنه إعتبر النجاح في العمل و الكسب المادي هدفا ضروريا لكي يستطيع إسعاد أسرته و توفير العيش الرغد لهم و لكنه إهتم بذلك على حساب الهدف المخدوم و هو إستقرار الأسرة و السكن العاطفي بين أفراد الأسره , فيصير الأب / الزوج مجرد جالب مال...

    و ها نحن نلاحظ شيوع هذه النظره لدور الرجل في البيت , فالفتاه التي كانت تحتاج إلى أبيها كمصدر للأمان و الحنان لم تجده إلا موفرا للمادة فقط تمر عليها فترات من الضياع و عدم الشعور بالأمان تشعر بأن شيئا ما ينقصها – ربما لا تعرفه - و لكنها في نهايه الأمر تتكيف مع هذا الوضع الشاذ اللا إنساني و تعتبر أن هذا هو دور الرجل في الحياة بل ربما تستنكرعلى من يعطي للعاطفة الإنسانية و السكن الأسري قدره , و طبعا ستتصور أنها قد نضجت بقدر يكفي لأن تهمل العاطفه , على أن تتظاهر بالتعاطف بالقدر المقرر في روشته النجاح التي أعدها خبراء التنميه البشريه ... و نفس المشكله عند الفتى الذي ينمو في ذات البيئه الشاذه التي تلقنه أن حبه لبيته يكون بتوفير حياه ( كريمه ! ) لهم و أن تلك هي الطريقة الوحيدة لإكتساب حب زوجته و إحترامها و كل ما سوى ذلك قابل للتفاوض و أحيانا يتم تلوين الكلام بصبغة دينية و فنستخدم أحاديث في غير سياقها و نضيف جملا إعتراضية لا محل لها من الإعراب كــ ( بشرط الحفاظ علي الدين و الشرف ) .


    فينشأ جيل قابل لأن تسوقه الماده فتغير مواقفه و مفاهيمه و ولاءاته أي جيلا قابلا للترشيد ..

    بل أحيانا يتم التضحيه بالأسره نفسها من أجل النجاح( بالمنظور المادي ) , فبعد أن تشرب الفتى و الفتاه أن النجاح هو الهدف الأسمى ثم تكون الضغوط الإجتماعية و المشاكل الأسرية و المتطلبات العاطفية عبئا يتأخر النجاح بسببه فتستقل الوسيلة عن الهدف تماما و يتم التضحية بالغاية في سبيل الوسيلة و هذا مشاهد في الواقع ...


    إن النمط الحياتي لهؤلاء هو التضحية المؤقتة بالإستقرار من أجل توفير قدر محدد من الراحة و لكنهم ما أن يقتربوا من هذا الهدف حتى تتسع حدقاتهم لقدر أعلى منه مما يتطلب مزيد من التضحية ( الإستثنائية ) من أجل الوصول إلي الهدف المعدل ... و هكذا يدورون في هذا الدائرة اللانهائية ثم يتسائلون عن عبثيه الحياه و صعوبتها و يعانون من الأمراض الإجتماعيه العصريه ( دون ان يتصور أحدهم أن نمطهم الإستهلاكي و أهدافهم التافهة هي التي أعمتهم عن الحياة الحقيقية و معناها الحقيقي) ثم تصور حياتهم إذا إبتلي أحدهم بالفشل أو العجز، و نظرة محيطهم ( الذي كونوه بأنفسهم ) لهم في حالة الفشل.



    إن مجتمعا يعبد النجاح بالمعنى المادي هو مجتمع منهار ينتظر من يعلن إنهياره .


    *****
    و عن المثال الثاني :


    في المستدرك على الصحيحين للحاكم :عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : رب قد فرغت . فقال : « أذن في الناس بالحج » . قال : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : « أذن وعلي البلاغ » . قال : رب كيف أقول ؟ قال : « قل : يا أيها الناس ، كتب عليكم الحج ، حج البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون ؟ » «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »


    إن الإسلام لا يحتاج من يبرر أحكامه و لا من يغير ما لا يقبله السوق – و إن سمى التغيير تجديدا – بهدف إبلاغه , بل يحتاج من يمثله بصدق كما هو , رضي من رضي و سخط من سخط ...

    ومن يزور الأحكام الإسلامية بهدف المصلحه يختلف تماما عن من يملك أدوات الإجتهاد و ينظر في االنصوص الشرعيه مخلصا يريد أن يعرف مراد الشرع في أمر ما ثم يصل لنفس ما وصل اليه الشخص الأول...


    إن السياسه و الإقتصاد وجميع المجالات النهضوية و الحركية جزء من الحياة الإسلامية و ينبغي أن تهيمن قواعد الإسلام و أحكامه على سلوك المسلمين فيها كما أنها من مجالات الجهاد الإسلامي و دخول المسلمين فيها فرض كفاية – و الله أعلم – و لكن بشرط الإلتزام بالإسلام و إن دعت الفرص و التحديات لغير ذلك ...

    و لكننا نجد أن التفكير في الإجراءات يحتل المركز و تهمش الغايات.... يقول الدكتور فريد الأنصاري " لقد إكتشفنا أن المنهج المعتمد لدى بعض إخواننا في الدعوة و الحركة منهج مقلوب ينطلقون فيه من العمران إلى القرآن , ينظرون إلى ما عند الآخر من بناء فيقيسون عليه ما يرون ما ينبغي أن يكون عندنا , و ينطلقون في البناء بل في التقليد مع مراعاة إسلامية الشكل الخارجي و يبقى الجوهر بعد ذلك يرشح بجاهليته" (1)


    و يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري " و قد شهد النموذج الحضاري الغربي شكلا من أشكال التراجع في العالم العربي منذ الأربعينيات و يتمثل هذا في ظهور حركات إسلامية (..) و جماعة إشتراكية قومية مثل مصر الفتاة و كل هذه الحركات تفترض بشكل أو بآخر قصور النموذج الحضاري الغربي إلا أن الهدف المعلن أحيانا والغير معلن أحيانا أخرى هو دائما اللحاق بالغرب مع الحفاظ على هويتنا بقدر الإمكان على أن تتطور الهوية لتواكب العصر و هذا التيار في تصوري هو محاوله أخرى لتبني النموذج الغربي " (2)


    ففي سعيهم لخدمه الإسلام و الإنتصار له يقعون في عده مشاكل:

    الأولى : التنازل ( و أحيانا إزدراء ) بعض السنن و الأحكام الإسلاميه بدعوى أنها لا تناسب روح العصر أو أنها تشكل قيدا ضد التقدم .... أي التضحيه بالغايه من أجل الوسيله ..


    الثانيه : الإستسلام للمعايير الماديه للنجاح و الإنتصار .


    الثالثه : الإعتماد على مرجعية الجماهير مما يورث تصور أن رأي الأكثرية يمثل الحق دائما ....


    كل هؤلاء و إن كنت أراهم مخطئين إلا أن هدفهم النهائي هو خدمه الإسلام و لكن المشكلة الأكبر أن البعض يعتبر الإسلام نفسه مجرد وسيلة للوصول إلى النجاح ( سواء في السياسه و الإقتصاد أو في مجالات الحياة عموما ) فقد صار إضافه كلمه إسلامي إلى أي شئ هو الطريق الأمثل لقبول الناس له بغض النظر عن إسلامية المضمون من عدمها ....
    إني أتفق مع الدكتور عبد الوهاب المسيري عندما يقول أنه " ليس ضد الإستفادة من الآخر و ليس ضد الإنفتاح عليه و لكنه ضد أن يضع أحدهم ميزانا مستوردا في يده ليزن به الأشياء" (3)




    *****

    ما يقال عن المثال الثالث نفس ما قلناه من قبل و هو أن الإجراءات تحتل مركز التفكير و تهمش الغايات ....


    فلنحاول إستخلاص نتائج كون العلاقه بين الهدف الخادم و الهدف المخدوم غير واضحه :

    1- إتخاذ إجراءات تضر بالغايات .

    2- إتخاذ إجراءات محمله بمرجعيه معرفيه مخالفة للإسلام .


    3- فقدان الشعور بالعلاقة بين الإجراءات و الغايات يؤدي إلى فقدان الشعور بمعنى الحياه مما يؤدي إلى مشاكل نفسيه ( من الشعور بالملل إلى الإكتئاب و الإنتحار) و مشاكل إجتماعية ( الهوس الإستهلاكي و الجنسى و الهروب إلى العالم الإفتراضي و الفقر العاطفي و تحلل القيم و الفشل الأسري ) .


    4- زياده الإهتمام بالإجراءات على حساب الغايات قد يؤدي للفصل بينهما في النهاية .


    5- إنفصال الإجراء عن الغاية يؤدي لمرونة في المواقف ( نتيجه التحرر عن القيود الغائية ) فيتحول الإنسان لكائن كمي قابل للتفاوض و الترشيد .


    و الله أعلم
    (1) د . فريد الأنصاري : من القرآن إلى العمران : بلاغ الرساله القرآنيه : دار السلام 2009 صـ 15 بتصرف يسير

    (2) د . عبد الوهاب المسيري : العالم من منظور غربي : دار الهلال 2001 صـ 90-91 بتصرف يسير

    (3) المصدر السابق صـ 62 و العباره في سياق مثال .


    الخميس، 4 فبراير 2010

    هل ماتت القومية العربية ؟



    هل ماتت القومية العربية ؟

    محمود رفعت

    على هامش الأفعال المؤسفة , و ردود الأفعال الأكثر أسفا , عقب مباراة مصر و الجزائر بالسودان , دعت مبادرة أداور لجلسة نقاشية حول موضوع " القوميه العربيه " , وما يلي مجمل مداخلاتي في الحوارمع بعض الإضافات .

    1- حينما نناقش القضايا الإنسانية كقضايا الهوية و الإنتماء و الوحدة لابد أن نفرق بوضوح بين الرؤية الوصفية ( وصف ما هو كائن ) و الرؤية المعيارية ( وصف ما ينبغي أن يكون ) .


    2- منذ بداية ظهور دعاوى العروبة و القومية العربية ,حتى الأن إختلفت الدوافع و الأطروحات , مما يجعل أنه من الخظأ بمكان إعتبار أن كل دعاة القوميه العربية يحملون ذات الرؤية , و بالتالي فلا ينبغي أن تتوحد مواقفنا منهم .

    ففي تصوري أن دعاة القومية العربية الأوائل الذين دعوا إليها كرد فعل على القومية الطورانية ( التركية ) أو خوفا من الجامعة الإسلامية , إنما كانوا ينظرون بنظرة شعوبية ضيقة تفرق صفوف المسلمين عن إنتمائهم الأكبر للإسلام , و لا يختلفون كثيرا عن دعاة القومية الطورانية.

    و صنف آخر ممن ينادون بالعروبة و هم غالبية المغاربة و بعض الإسلاميون المشارقة , ففي الجزائر مثلا - و كلنا يعلم مدي بشاعة الإستعمار الفرنسي و دمويته ضد كل ما يشير إلى الإسلام حتى اللغة - فكانت اللغة في أذهان الجزائريين مرتبطة بالإسلام إرتباطا و ثيقا , فالدعوة  للعروبة  دعوة  للإسلام , و لذلك  فهم  يختلفون  عن الصنف السابق .

    و الصنف الثالث هم اللذين تعاملوا مع القومية العربية  بنظرة  نفعية  سياسية / إقتصادية و هم أقرب من تبنوا القومية بالمفهوم الحداثي الغربي.


    3- بدأ إنتشار مفهوم القومية في الغرب مع بداية عصور الحداثة , و إرتبط بمفهومي دولة الرفاهية و الفردية , ففي الوقت الذي ثارت المجتمعات الغربية على سلطة الدين تلاشت الظلال الروحية و الإجتماعية للكنيسة , مما دفع مبشري العصر الجديد لإختلاق أساطير بديلة لإشباع الجوانب الميتافيزيقية و الإجتماعية عند جموع الثوار و البسطاء , و كانت غاياتهم و أهدافهم الكبرى تتلخص في بناء العالم الإنساني المثالى الذي تتحقق فية رفاهية الفرد و حريته الشخصية .

    يقول جويسيبى ماتزينى الزعيم والسياسى القومى الإيطالى: إن القومية هى انتماء جماعة بشرية واحدة لوطن واحد شريطة أن يجمعها تاريخ مشترك ولغة واحدة في أرض هذا الوطن(1).

    في تصوري أن الهدف من الحركات القومية الغربية هو تحقيق هذا المجتمع المثالي الذي يجد فيه الفرد خصوصيه و رفاهيتة ( حتى و إن كان على حساب القوميات الأخرى الأقل قوة ) أما الجانب الثقافي فهو الأسطورة التي تساعد السياسيين على تمرير رؤاهم العنصرية تحت مبررات تبدوا أخلاقية .


    4- إذا كان الدافع الأساسي للقومية هو المصالح المادية ( سياسية - عسكرية - إقتصادية) من منطلق أن الإتحاد قوه , ففي وقت تتلاشى فيه حاجة تلك الوحدة أو يقدر أحد الأطراف أن الوحدة تكلفه أكثر مما تعطيه , فإنه عمليا يتخلى عنها ليخرج بأفضل النتائج و إن ظل يردد شعاراتها.
    و هو ما أدى لإنهيار مفهوم القومية في الغرب ( لتظهر مصطلحات كـ  ما بعد القوميات و القصة الصغرى ) و أدى  لتجميد  تطبيقات  القومية  العربية .
    فما تجمعه المصلحة تفرقه المصلحة, ما تجمعه السياسة و الإقتصاد تفرقه السياسة و الإقتصاد.



    5- لكي نتحد لابد من رابطة تتجاوز المصلحة فإما أن نتخذ أسطورة ميتافيزيقية نجتمع حولها ( دولة الرفاهية - إستعلاء عرقي - خرافات ) أو نجتمع حول الحق المطلق و هو الإسلام .
    عمليا كلا الخيارين - و لو مرحليا - يؤديان إلى الوحدة .
    و لكن بصورة غائية فمن واجب المسلمين أن يبحثون عن الحق الصافي , و يحددون معالمه بوضوح , و يجتمعون حوله لبناء الحضارة الإسلامية من جديد , على أن تحدد أخلاقيات الإسلام علاقاتهم مع باقي الثقافات الإثنية ممن يشاركونهم في ذات البناء الحضاري .


    6- هل يمثل الإجتماع حول الهويات المتجاوزة للمنفعة المادية ظلما للأقليات؟
    نعم , في حالة كون الهوية المتجاوزه للمنفعة تدعوا لظلم الأقليات , و لا تختلف في ذلك عن الأساطير المادية .
    " فيلاحظ أن صياغة رؤية الجماعات القومية في غرب أوروبا لنفسها قد استغرق وقتًا طويلا جدًّا تم أثناءه صهر (أو إبادة) اعضاء الأقليات الإثنية التي لا تنتمى للأسطورة القومية. ثم ظهرت الإمبريالية، فزادت من تحدد الأسطورة ومن عدوانيتها وتجانسها وانغلاقها، وأضافت لها مقولات التفوق والنقاء العنصرى التي تختزل الآخر في عنصر واحد متدنى، حتى يمكن تحويله إلى مادة استعمالية " (2).

    يجيب على السؤال- في حالة الإسلام- سؤالا أكثر وضوحا : هل يدعو الإسلام للإضطهاد ؟ و هل أباد المسلمون في عصور قوتهم الآخرين؟


    7- يلاحظ في الفترة الأخيرة تشابه كبير بين الإسلاميين و القوميين في أطروحاتهم , و لكن في تصورى أن إختلافا جوهريا لا يظهر على السطح بين الفريقين .
    فالإسلاميون يعتبرون العروبة إحدى عناصر المركب الإجتماعي للمجتمع الإسلامي.
    و القوميون يعتبرون الإسلام إحدى عناصر المركب الإجتماعي للمجتمع العربي .
    و بين هؤلاء و هؤلاء أناس أعجبتهم شعارات القوم في زمن الهزيمة .




    ----------------------------------------------
    (1)موسوعة ويكيبيديا

    (2) موسوعة ويكيبيديا و يلاحظ من الإسلوب و المصطلحات أن هذا الكلام غالبا مقتبس من الدكتور عبد الوهاب المسيري

    الثلاثاء، 12 يناير 2010



    على طريق النهضة الإسلامية

    ملاحظات مبدئية

    ---------------------------------------------------------------

    محمود رفعت  



    مدخل

    1- للباحث في شئون النهضة عدة محاور للبحث :


    أولا : وصف ما هو كائن فعلا ( ويتضمن دراسة وصفية للمجتمع موضوع البحث   , بالإضافة إلى الثقافات المؤثرة فيه بصورة مباشرة  , أو غير مباشرة ) .


    ثانيا : وصف ما ينبغي أن يكون ( و غالبا ما يكون الطرح مثاليا , يصعب تحقيقه بصورة كاملة , فيكون الهدف هو الإقتراب منه قدر الإمكان , ويظل هناك مجالا لمزيد من المطالب بعد أي إنجاز يتحقق واقعيا ).


    ثالثا : تحليل العلاقة بين العنصرين الأولين , في ضوء المنطلقات المنهجية , للوصول إلى خطوات عملية للتغيير .


    رابعا : بعد تطبيق الخطوات السابقه .. يتم دراسة آثارها السلبية و الإيجابية و تحليل النتائج لإستبعاد أو تطوير الخطة القديمة (و هي تكرار المحاور السابقه في ضوء التغييرات المترتبه عليها , و على محدثات الأمور ) .


    و يسبق ذلك كله خطوة أهم بكثير و هي التأكيد الواضح للأسس المبدئية للنهضة و توضيح مفهوم النهضة ذاته .


    و الباحث الذي نتكلم عنه هنا هو شخصية إفتراضية تشمل جميع الباحثين في شئون النهضة , و البحث هنا أيضا هو بحث إفتراضي يشمل جميع البحوث في شئون النهضة , فالجمع بين المحاور الخمسه ( بعد ضم محور الأسس المبدئية للنهضة إلى المحاور الأربعة ) ليس دورا لباحث واحد و ليس المنتظر من بحث واحد معالجة كل المحاور .


    بل قد يكتفي كل باحث في محور أو أكثر يجيد البحث فيه على ان يعتمد على إنجازات من سبقوه في معالجة المحاول الأخرى قدر الإمكان  .



    2- المشاهد في واقع حركات النهضه الإسلاميه التشظى بين آفتي الهوس الحركي و العزله النخبويه و ذلك  منذ عصر رواد النهضة الإسلامية المعاصرة  و حتى معاصرينا .... ولم يشذ عن ذلك سوى القليل , فقلما تم الجمع بين الفكر - على أهميته - و الحركة.


     ما  آمله أن أقيد بعض ما يثقل صدري و عقلي من أفكار و ملاحظات مبدئيه قد يكون لبعضها أثرا إذا ما كان لها طريقا للتطبيق , أو حتى أن تكون قابله للمراجعه و التطوير .

     ------------------------------