الخميس، 4 فبراير 2010

هل ماتت القومية العربية ؟



هل ماتت القومية العربية ؟

محمود رفعت

على هامش الأفعال المؤسفة , و ردود الأفعال الأكثر أسفا , عقب مباراة مصر و الجزائر بالسودان , دعت مبادرة أداور لجلسة نقاشية حول موضوع " القوميه العربيه " , وما يلي مجمل مداخلاتي في الحوارمع بعض الإضافات .

1- حينما نناقش القضايا الإنسانية كقضايا الهوية و الإنتماء و الوحدة لابد أن نفرق بوضوح بين الرؤية الوصفية ( وصف ما هو كائن ) و الرؤية المعيارية ( وصف ما ينبغي أن يكون ) .


2- منذ بداية ظهور دعاوى العروبة و القومية العربية ,حتى الأن إختلفت الدوافع و الأطروحات , مما يجعل أنه من الخظأ بمكان إعتبار أن كل دعاة القوميه العربية يحملون ذات الرؤية , و بالتالي فلا ينبغي أن تتوحد مواقفنا منهم .

ففي تصوري أن دعاة القومية العربية الأوائل الذين دعوا إليها كرد فعل على القومية الطورانية ( التركية ) أو خوفا من الجامعة الإسلامية , إنما كانوا ينظرون بنظرة شعوبية ضيقة تفرق صفوف المسلمين عن إنتمائهم الأكبر للإسلام , و لا يختلفون كثيرا عن دعاة القومية الطورانية.

و صنف آخر ممن ينادون بالعروبة و هم غالبية المغاربة و بعض الإسلاميون المشارقة , ففي الجزائر مثلا - و كلنا يعلم مدي بشاعة الإستعمار الفرنسي و دمويته ضد كل ما يشير إلى الإسلام حتى اللغة - فكانت اللغة في أذهان الجزائريين مرتبطة بالإسلام إرتباطا و ثيقا , فالدعوة  للعروبة  دعوة  للإسلام , و لذلك  فهم  يختلفون  عن الصنف السابق .

و الصنف الثالث هم اللذين تعاملوا مع القومية العربية  بنظرة  نفعية  سياسية / إقتصادية و هم أقرب من تبنوا القومية بالمفهوم الحداثي الغربي.


3- بدأ إنتشار مفهوم القومية في الغرب مع بداية عصور الحداثة , و إرتبط بمفهومي دولة الرفاهية و الفردية , ففي الوقت الذي ثارت المجتمعات الغربية على سلطة الدين تلاشت الظلال الروحية و الإجتماعية للكنيسة , مما دفع مبشري العصر الجديد لإختلاق أساطير بديلة لإشباع الجوانب الميتافيزيقية و الإجتماعية عند جموع الثوار و البسطاء , و كانت غاياتهم و أهدافهم الكبرى تتلخص في بناء العالم الإنساني المثالى الذي تتحقق فية رفاهية الفرد و حريته الشخصية .

يقول جويسيبى ماتزينى الزعيم والسياسى القومى الإيطالى: إن القومية هى انتماء جماعة بشرية واحدة لوطن واحد شريطة أن يجمعها تاريخ مشترك ولغة واحدة في أرض هذا الوطن(1).

في تصوري أن الهدف من الحركات القومية الغربية هو تحقيق هذا المجتمع المثالي الذي يجد فيه الفرد خصوصيه و رفاهيتة ( حتى و إن كان على حساب القوميات الأخرى الأقل قوة ) أما الجانب الثقافي فهو الأسطورة التي تساعد السياسيين على تمرير رؤاهم العنصرية تحت مبررات تبدوا أخلاقية .


4- إذا كان الدافع الأساسي للقومية هو المصالح المادية ( سياسية - عسكرية - إقتصادية) من منطلق أن الإتحاد قوه , ففي وقت تتلاشى فيه حاجة تلك الوحدة أو يقدر أحد الأطراف أن الوحدة تكلفه أكثر مما تعطيه , فإنه عمليا يتخلى عنها ليخرج بأفضل النتائج و إن ظل يردد شعاراتها.
و هو ما أدى لإنهيار مفهوم القومية في الغرب ( لتظهر مصطلحات كـ  ما بعد القوميات و القصة الصغرى ) و أدى  لتجميد  تطبيقات  القومية  العربية .
فما تجمعه المصلحة تفرقه المصلحة, ما تجمعه السياسة و الإقتصاد تفرقه السياسة و الإقتصاد.



5- لكي نتحد لابد من رابطة تتجاوز المصلحة فإما أن نتخذ أسطورة ميتافيزيقية نجتمع حولها ( دولة الرفاهية - إستعلاء عرقي - خرافات ) أو نجتمع حول الحق المطلق و هو الإسلام .
عمليا كلا الخيارين - و لو مرحليا - يؤديان إلى الوحدة .
و لكن بصورة غائية فمن واجب المسلمين أن يبحثون عن الحق الصافي , و يحددون معالمه بوضوح , و يجتمعون حوله لبناء الحضارة الإسلامية من جديد , على أن تحدد أخلاقيات الإسلام علاقاتهم مع باقي الثقافات الإثنية ممن يشاركونهم في ذات البناء الحضاري .


6- هل يمثل الإجتماع حول الهويات المتجاوزة للمنفعة المادية ظلما للأقليات؟
نعم , في حالة كون الهوية المتجاوزه للمنفعة تدعوا لظلم الأقليات , و لا تختلف في ذلك عن الأساطير المادية .
" فيلاحظ أن صياغة رؤية الجماعات القومية في غرب أوروبا لنفسها قد استغرق وقتًا طويلا جدًّا تم أثناءه صهر (أو إبادة) اعضاء الأقليات الإثنية التي لا تنتمى للأسطورة القومية. ثم ظهرت الإمبريالية، فزادت من تحدد الأسطورة ومن عدوانيتها وتجانسها وانغلاقها، وأضافت لها مقولات التفوق والنقاء العنصرى التي تختزل الآخر في عنصر واحد متدنى، حتى يمكن تحويله إلى مادة استعمالية " (2).

يجيب على السؤال- في حالة الإسلام- سؤالا أكثر وضوحا : هل يدعو الإسلام للإضطهاد ؟ و هل أباد المسلمون في عصور قوتهم الآخرين؟


7- يلاحظ في الفترة الأخيرة تشابه كبير بين الإسلاميين و القوميين في أطروحاتهم , و لكن في تصورى أن إختلافا جوهريا لا يظهر على السطح بين الفريقين .
فالإسلاميون يعتبرون العروبة إحدى عناصر المركب الإجتماعي للمجتمع الإسلامي.
و القوميون يعتبرون الإسلام إحدى عناصر المركب الإجتماعي للمجتمع العربي .
و بين هؤلاء و هؤلاء أناس أعجبتهم شعارات القوم في زمن الهزيمة .




----------------------------------------------
(1)موسوعة ويكيبيديا

(2) موسوعة ويكيبيديا و يلاحظ من الإسلوب و المصطلحات أن هذا الكلام غالبا مقتبس من الدكتور عبد الوهاب المسيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق